سوريا في العهد الفرنسي: الاستعمار والمقاومة الوطنية | الحقبة 16
في العهد الفرنسي (1920م – 1946م)، دخلت سوريا تحت سيطرة الانتداب الفرنسي بعد نهاية الإمبراطورية العثمانية ونتائج الحرب العالمية الأولى. كانت هذه الفترة من أكثر الفترات تأثيرًا في تاريخ سوريا الحديث، حيث شهدت البلاد تطورات سياسية واجتماعية هامة، وكذلك مقاومة وطنية شرسة ضد الاحتلال الفرنسي. رغم التحديات والمصاعب التي واجهتها الحركات الوطنية، تمكنت سوريا في النهاية من تحقيق الاستقلال في عام 1946م. في هذه المقالة، سوف نناقش تأثير الاستعمار الفرنسي على سوريا وأبرز الحركات المقاومة الوطنية التي نشأت في هذه الفترة.
دخول فرنسا إلى سوريا: اتفاقية سايكس-بيكو والانتداب الفرنسي
في عام 1916م، تم توقيع اتفاقية سايكس-بيكو بين فرنسا و بريطانيا، والتي كانت تهدف إلى تقسيم الأراضي العثمانية بين الدولتين بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية. وفقًا لهذه الاتفاقية، حصلت فرنسا على الانتداب على سوريا و لبنان.
- الانتداب الفرنسي: بعد الحرب العالمية الأولى، وتحديدًا في 1920م، فرضت فرنسا الانتداب على سوريا بموجب اتفاقية سان ريمو. بدأت فرنسا في فرض سيطرتها على سوريا من خلال إنشاء إدارة استعمارية عسكرية ومدنية، مما أحدث تغييرات كبيرة في الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
- تقسيم سوريا إلى مناطق: قامت فرنسا بتقسيم سوريا إلى مناطق مختلفة، بحيث تم فصل دمشق عن حلب و الجزيرة السورية و العلويين و الدروز تم إعطاؤهم حكمًا منفصلًا، مما كان يهدف إلى زرع الانقسامات بين المكونات السورية المختلفة.
السياسات الفرنسية في سوريا: الاستعمار والهيمنة
بعد فرض الانتداب الفرنسي، نفذت فرنسا سلسلة من السياسات الاستعمارية التي أثرت بشكل كبير على الشعب السوري.
- السيطرة على الاقتصاد: فرضت فرنسا سيطرتها على الاقتصاد السوري، حيث تحكمت في الموارد الطبيعية، ووضعت يدها على الزراعة و التجارة و البنية التحتية. كما كانت الضرائب المرتفعة أحد وسائل فرض الهيمنة الفرنسية على الشعب السوري.
- التحكم العسكري: أنشأت فرنسا العديد من القواعد العسكرية في مختلف أنحاء سوريا، وأبقت على الجيش السوري تحت إشرافها. كما كانت الشرطة الفرنسية هي السلطة الفعلية في الشوارع.
- التعليم الفرنسي: سعت فرنسا إلى فرض ثقافتها على سوريا من خلال المدارس الفرنسية، ونشر اللغة الفرنسية في المناهج الدراسية.
المقاومة الوطنية ضد الاستعمار الفرنسي
في ظل الاستبداد الفرنسي، بدأت الحركات الوطنية في سوريا تنمو بشكل تدريجي، حيث نمت الرغبة في الاستقلال في صفوف الشعب السوري. كان هناك العديد من الثورات والحركات المقاومة التي شملت المدن السورية والريف على حد سواء.
- ثورة 1925: كانت ثورة 1925 في دمشق و ريف دمشق واحدة من أبرز لحظات المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي. قاد الشيخ صالح العلي والعديد من القادة الوطنيين هذه الثورة التي اجتاحت البلاد، حيث كانت نتيجة للسياسات الاستعمارية الفرنسية القمعية.
- ثورة الدروز في جبل العرب: شهدت منطقة جبل العرب مقاومة شرسة ضد الفرنسيين بقيادة سليمان باشا المنصور. وقد خاضت القبائل الدرزية معركة مريرة ضد الاحتلال الفرنسي، استمرت لفترة طويلة قبل أن يتم قمعها.
- حركات الشباب والطلاب: كان للطلاب والشباب دور كبير في مقاومة الاحتلال الفرنسي، حيث شكلوا جمعيات سرية في الجامعات والمدارس تنادي بالاستقلال الوطني. كانت هذه الحركات أحد الأسس التي بنيت عليها المقاومة الشعبية.
الاستقلال السوري والنهاية الفرنسية
في عام 1941م، مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، شهدت سوريا أحداثًا مفصلية عندما أعلنت فرنسا الحرة التابعة ل تشارل ديغول دعمها لحركات الاستقلال في سوريا. ومع تراجع السيطرة الفرنسية على المنطقة، بدأ الانتفاض الشعبي ضد الفرنسيين يزداد، ليشكل بداية النهاية للاحتلال الفرنسي.
- اتفاقية الاستقلال: في عام 1946م، وبعد عدة مفاوضات بين الفرنسيين و الحكومة السورية، تم التوصل إلى اتفاق رسمي ينص على استقلال سوريا، ليتمكن الشعب السوري من التحرر من الاحتلال الفرنسي بعد أكثر من ربع قرن من السيطرة.
الخاتمة
كانت الاحتلال الفرنسي في سوريا من الفترات الأكثر تأثيرًا في تاريخ البلاد، حيث شهدت سوريا خلالها تحولات سياسية واقتصادية كبيرة، وكان لهذا الاستعمار تأثير طويل الأمد على الهوية الثقافية و الاقتصاد السوري. على الرغم من مقاومة الفرنسيين وتحديهم، فإن الحركات الوطنية التي ظهرت في تلك الفترة شكلت الأساس لاستقلال سوريا في عام 1946م. تظل المقاومة الوطنية في سوريا في هذه الفترة جزءًا من التراث الوطني الذي يمثل الحرية و الاستقلال للشعب السوري.
ملاحظة: لتصفح باقي السلسلة ادخل الرابط التالي: تاريخ سوريا بالترتيب من العصور القديمة إلى العصر الحديث