سوريا في فترة ما بعد الاستقلال: حروب 1967 و1973 وتأثيرها على السياسة السورية | الحقبة 18

مرت سوريا في فترة ما بعد الاستقلال بمرحلة مليئة بالتحديات السياسية والعسكرية، حيث شكلت حرب 1967 و حرب 1973 محطات فارقة في تاريخ البلاد. كانت هذه الحروب، التي خاضتها سوريا جنبًا إلى جنب مع الدول العربية الأخرى ضد إسرائيل، محورية في تشكيل السياسة السورية وإعادة بناء الهوية الوطنية. بينما أسفرت حرب 1967 عن هزيمة كبيرة للسوريين، فقد قدمت حرب 1973، أو حرب يوم الغفران، فرصة لاستعادة بعض من الكرامة العسكرية والتمهيد لمسار السلام فيما بعد. في هذه المقالة، سنتناول كيف أثرت حروب 1967 و 1973 على السياسة السورية من النواحي العسكرية، السياسية، والاجتماعية.


حرب 1967: هزيمة وصدمات استراتيجية

تعتبر حرب 1967 أو حرب الأيام الستة نقطة تحول كبيرة في تاريخ سوريا والعالم العربي بشكل عام. في هذه الحرب، قامت إسرائيل بشن هجوم مفاجئ على الدول العربية، بما في ذلك سوريا، مصر، الأردن.

  • التحضيرات والمفاجأة: قبل الحرب، كانت هناك توترات عسكرية على الجبهات السورية-الإسرائيلية، حيث كانت سوريا تتحضر لصد أي هجوم إسرائيلي. ومع ذلك، شن الجيش الإسرائيلي هجومًا جويًا مفاجئًا أدى إلى تحطيم الدفاعات الجوية السورية واستهدف البنية العسكرية الأساسية.
  • النتائج العسكرية: كانت النتائج العسكرية للحرب كارثية بالنسبة لسوريا، حيث خسرت الجولان بالكامل لصالح إسرائيل. كما كان الجيش السوري غير مستعد للقتال ضد القوات الإسرائيلية المتفوقة، وهو ما أدى إلى انهيار سريع للجبهة السورية.
  • التأثير على السياسة السورية: كان لهذه الهزيمة تأثير عميق على السياسة السورية. الرئيس حافظ الأسد الذي كان وزيرًا للدفاع في تلك الفترة، بدأ في توجيه انتقادات شديدة للنظام السوري والإدارة العسكرية بسبب التخطيط الضعيف الذي أدى إلى الخسارة. بعد الهزيمة، بدأ يتم إعادة بناء الجيش السوري وتحسين استعداده العسكري في السنوات التالية، وهو ما شكل أرضية سياسية لبناء النظام الذي سيطر عليه الأسد بعد انقلاب عام 1970م.

حرب 1973: استعادة الكرامة وتحول في السياسة السورية

بعد الهزيمة في حرب 1967، كانت سوريا بحاجة إلى استعادة الكرامة العسكرية، وهو ما تحقق جزئيًا في حرب 1973 أو حرب يوم الغفران. في هذه الحرب، شن الجيش السوري هجومًا مفاجئًا على إسرائيل لاستعادة هضبة الجولان.

  • التحضيرات للحرب: في عام 1973، قررت سوريا و مصر شن هجوم منسق على إسرائيل في يوم يوم الغفران اليهودي، مما جعل الهجوم مفاجئًا ومؤثرًا. قاد الرئيس السوري حافظ الأسد الحرب مع الرئيس المصري أنور السادات، وكان الهدف الرئيسي هو استعادة الجولان واستعادة الأراضي التي خسرتها سوريا في حرب 1967.
  • النتائج العسكرية: على الرغم من النجاح الجزئي الذي حققه الجيش السوري في بداية الحرب، حيث استطاع التوغل داخل هضبة الجولان واستعادة بعض الأراضي، إلا أن إسرائيل استطاعت في النهاية صد الهجوم واستعادة المواقع التي خسرتها، بما في ذلك جزء من الجولان. ومع ذلك، كانت الحرب بمثابة استعادة للكرامة العربية، حيث أظهرت القدرة على التصدي لإسرائيل.
  • التأثير على السياسة السورية: على الرغم من أن سوريا لم تستعد كامل أراضيها في هذه الحرب، إلا أن النتائج السياسية كانت حاسمة. حرب 1973 أظهرت قوة الجيش السوري في مواجهة إسرائيل، وأدت إلى تحول سياسي في سوريا. أصبحت الكرامة العسكرية عنصرًا أساسيًا في سياسة حافظ الأسد، وأدى ذلك إلى تعزيز سلطته بعد انقلاب عام 1970م و تأسيس النظام الأسدي. كما أن هذه الحرب ساهمت في تعزيز التحالف السوري-المصري.
  • مفاوضات السلام: بعد الحرب، بدأت إسرائيل و سوريا في التفكير في مفاوضات السلام، وهو ما أدى إلى بدء محادثات في وقت لاحق في كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل، ولكن سوريا لم تشارك بشكل رسمي في تلك المفاوضات. رغم ذلك، كانت سوريا قد حققت انتصارًا رمزيًا، وبدأت في تكوين استراتيجية جديدة نحو السلام عبر التفاوض مع إسرائيل.

التحولات السياسية الداخلية في سوريا بعد الحربين

بعد حرب 1973، بدأت سوريا في عملية إعادة البناء العسكري والسياسي. تولى حافظ الأسد السلطة في عام 1970م بعد انقلاب تصحيحي ضد القيادة البعثية السابقة، التي كانت قد تعرضت للتقلبات والانتقادات بعد حرب 1967.

  • تعزيز الاستقرار الداخلي: في أعقاب الحربين، قام الأسد بتأسيس نظام مركزي قوي يعتمد على الجيش و الأجهزة الأمنية لتثبيت سيطرته على البلاد. أصبح حافظ الأسد رمزًا للاستقرار، وبني نظامه على أساس السلطة العسكرية.
  • السياسة الخارجية: على الصعيد الخارجي، استمرت سوريا في سعيها لاستعادة الجولان من خلال الوسائل الدبلوماسية، بينما كانت علاقاتها مع إسرائيل تتسم بالتوتر، خاصة في فترة السبعينيات والثمانينيات. كما حاولت سوريا تعزيز دورها الإقليمي عبر التحالفات مع الاتحاد السوفيتي ودعم المقاومة الفلسطينية.

الخاتمة

كانت حرب 1967 و حرب 1973 من أبرز الحروب التي شكلت التحولات السياسية والعسكرية في سوريا. بين الهزيمة في 1967 والكرامة العسكرية في 1973، مرت سوريا بتغييرات كبيرة في استراتيجياتها الداخلية والخارجية. لقد تركت هذه الحروب تأثيرًا عميقًا على السياسة السورية، حيث دفع ذلك إلى تعزيز السلطة المركزية، وتحقيق بعض الانتصارات الرمزية على المستوى العسكري. كما ساهمت في تشكيل استراتيجيات سوريا المستقبلية في مواجهتها للتهديدات الخارجية، وبدأت مرحلة جديدة من التفاوض و الاستقرار السياسي الداخلي.

ملاحظة: لتصفح باقي السلسلة ادخل الرابط التالي: تاريخ سوريا بالترتيب من العصور القديمة إلى العصر الحديث

زر الذهاب إلى الأعلى