أغرب الديانات في سوريا: دراسة في الأصول والمعتقدات

أهلاً بك في رحلة استكشافية إلى أعماق النسيج الديني السوري المتفرد! هذا المقال ليس مجرد سرد للمعلومات، بل هو دليلك الشامل لفهم أغرب الديانات في سوريا وأكثرها إثارة للفضول. سنغوص معًا في تاريخ وأصول ومعتقدات أربع من أبرز الطوائف التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من هوية سوريا الغنية: الدروز، واليزيدية، والعلوية، والمرشدية.

أغرب الديانات في سوريا: دراسة في الأصول والمعتقدات

سوريا، مهد الحضارات والأديان، لا تزال تحتضن فسيفساء دينية فريدة من نوعها. بعيدًا عن الديانات السماوية الكبرى المعروفة، توجد مجتمعات ذات معتقدات وطقوس خاصة تطورت عبر قرون من التفاعل التاريخي والثقافي. في هذا التحليل، نكشف الستار عن هذه المجموعات، ونقدم نظرة عميقة ومحايدة على جذورها ومبادئها.


الدروز: تاريخ وأسرار الطائفة الموحدين

يُعرف الدروز أنفسهم بـ “الموحدين”، وهم طائفة انبثقت عن الإسلام الشيعي الإسماعيلي في القرن الحادي عشر الميلادي في مصر الفاطمية. يعود أصل الدعوة إلى عهد الخليفة الفاطمي السادس، الحاكم بأمر الله، الذي يعتبرونه شخصية محورية. أسس الدعوة رجال دين بارزون مثل حمزة بن علي بن أحمد، الذي يُعد الإمام الأول للطائفة. تاريخيًا، وجد الدروز ملاذًا آمنًا في جبال لبنان وسوريا وفلسطين، حيث أسسوا مجتمعات قوية ومترابطة، وأصبح جبل الدروز (محافظة السويداء حاليًا) في جنوب سوريا معقلهم الرئيسي.

أما عن معتقداتهم، فهي محاطة بالكثير من السرية والغموض، ولا يُكشف عنها إلا للمشايخ “العُقّال” الذين أثبتوا ورعهم والتزامهم. من أبرز مبادئهم:

  • تقمص الأرواح: يؤمنون بأن الروح تنتقل بعد الموت إلى جسد مولود جديد داخل الطائفة نفسها، مما يحافظ على عددهم ثابتًا تقريبًا.
  • رسائل الحكمة: كتابهم المقدس الذي يضم 111 رسالة، وهو متاح فقط للعقّال.
  • عدم قبول معتنقين جدد: باب الدخول إلى الديانة الدرزية مغلق منذ القرن الحادي عشر، فلا يمكن لأحد أن يصبح درزيًا، ولا يمكن للدرزي أن يترك دينه.
  • التقية: وهي إخفاء المعتقد الديني عند الشعور بالخطر، وهو مبدأ ساعدهم على البقاء عبر العصور المضطربة.

اليزيدية: طقوس ومعتقدات ديانة الطاووس

تُعتبر اليزيدية من أقدم الديانات في منطقة الشرق الأوسط، وتعود جذورها إلى آلاف السنين، حيث تمزج بين عناصر من الديانات الإيرانية القديمة كالزرادشتية ومعتقدات بلاد ما بين النهرين، بالإضافة إلى لمحات من الصوفية الإسلامية. يتمركز وجودهم تاريخيًا في شمال العراق، ولهم وجود أصيل في شمال شرق سوريا، خاصة في منطقة الجزيرة وعفرين. ما يميز هذه الديانة هو تقديسهم لشخصية “طاووس ملك” (الملاك الطاووس)، الذي يعتقدون أنه رئيس الملائكة السبعة والموكل بإدارة شؤون الكون بأمر من الله.

تتعرض الديانة اليزيدية غالبًا لسوء فهم كبير، حيث يتهمهم البعض خطأً بعبادة الشيطان، لكن معتقدهم يختلف تمامًا. فهم يؤمنون أن طاووس ملك رفض السجود لآدم بأمر إلهي لاختبار ولائه، وبعد فترة من العقاب، سامحه الله وأعاده إلى مكانته السامية. من أبرز طقوسهم ومعتقداتهم:

  • الحج إلى لالش: يتوجب على كل يزيدي قادر أن يحج مرة واحدة في حياته إلى معبد لالش في شمال العراق.
  • الصلوات اليومية: يؤدون صلواتهم متوجهين نحو الشمس عند شروقها وغروبها.
  • نظام الطبقات: ينقسم المجتمع اليزيدي إلى طبقتين رئيسيتين: المريدون (العوام) ورجال الدين (الشيخ والبير)، والزواج بين الطبقات ممنوع.
  • قدسية العناصر: يقدسون العناصر الأربعة: النار، والماء، والهواء، والتراب.

العلوية: جذورها التاريخية وأبرز مبادئها

الطائفة العلوية، التي كانت تُعرف تاريخيًا بـ “النصيرية”، هي فرع من فروع الإسلام الشيعي، وقد نشأت في القرن التاسع الميلادي على يد محمد بن نصير البصري النميري. تتمحور عقيدتهم حول تبجيل الإمام علي بن أبي طالب إلى درجة تصل عند بعضهم إلى تأليهه، واعتباره تجليًا إلهيًا. يتركز الوجود العلوي بشكل أساسي في منطقة جبال الساحل السوري، وهم يشكلون جزءًا مهمًا من النسيج الاجتماعي والسياسي في سوريا الحديثة.

تتميز العقيدة العلوية بطابعها الباطني والغنوصي (المعرفي)، حيث يعتقدون أن للنصوص الدينية معنيين: معنى “ظاهر” يفهمه العامة، ومعنى “باطن” لا يدركه إلا الخاصة من رجال الدين الذين تلقوا المعرفة السرية. هذا التركيز على السرية جعل فهم معتقداتهم الدقيقة أمرًا صعبًا على الباحثين الخارجيين. من أبرز جوانب عقيدتهم:

  • الثالوث المقدس: يؤمنون بثالوث (ع – م – س) الذي يرمز إلى “المعنى” (علي)، و”الاسم” أو الحجاب (محمد)، و”الباب” (سلمان الفارسي).
  • تقمص الأرواح: يشتركون مع الدروز في إيمانهم بتناسخ الأرواح، لكن بتفاصيل مختلفة، حيث يعتقدون أن المؤمنين يتناسخون في أجساد علوية أخرى، بينما الكفار قد يتناسخون في أجساد حيوانات.
  • التقية: يمارسون مبدأ التقية كآلية للدفاع عن النفس والحفاظ على الطائفة.
  • الاحتفالات المختلطة: يدمجون في تقويمهم الديني أعيادًا إسلامية (كعيد الأضحى) ومسيحية (كعيد الميلاد وعيد الغطاس).

اقرأ أيضاً: محافظات العلويين في سوريا


المرشدية: نشأتها وأهم معتقداتها الحديثة

المرشدية هي حركة دينية حديثة نسبيًا مقارنة بالطوائف الأخرى، حيث ظهرت في عشرينيات القرن الماضي في منطقة جبال الساحل السوري. أسسها سلمان المرشد، وهو شخصية كاريزمية من الطائفة العلوية ادعى في البداية النبوة ثم الألوهية، وجمع حوله عددًا كبيرًا من الأتباع. بعد إعدامه من قبل الحكومة السورية عام 1946، تولى قيادة الحركة ابنه مجيب، ثم أخوه ساجي، الذي يُعتبر المكمل لتعاليم الحركة والمؤسس الفعلي لمعتقداتها الحديثة.

تعتبر المرشدية نفسها دينًا مستقلاً ومنفصلاً تمامًا عن الإسلام والطائفة العلوية، ولها معتقداتها وطقوسها الخاصة التي تركز على العلاقة المباشرة مع الإله المتجلي في شخص “المرشد”. تتميز ببساطة تعاليمها وابتعادها عن الطقوس المعقدة. من أهم مبادئها:

  • الصلاة المرشدية: صلاة بسيطة ومباشرة تُقام مرتين يوميًا، ولا تتطلب وضوءًا أو اتجاهًا محددًا، بل هي حديث قلبي مع الله.
  • رفض الشعائر التقليدية: لا يصومون رمضان، ولا يحجون إلى مكة، ولا يتبعون الشريعة الإسلامية التقليدية.
  • “عيد الفرح بالله”: هو عيدهم الرئيسي ويصادف يومي 25 و26 أغسطس من كل عام، وهو احتفال ببدء دعوة مجيب بن سلمان المرشد.
  • المساواة والتحرر: تدعو المرشدية إلى المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وتمنح المرأة حرية كبيرة في اختيار شريك حياتها ومسارها العملي.

قد يهمك أيضاً:


الخلاصة 📝

كما رأينا، فإن المشهد الديني في سوريا أغنى وأكثر تعقيدًا مما قد يبدو للوهلة الأولى. لقد قدمنا لك في هذا المقال نافذة فريدة على أصول ومعتقدات وأسرار أربع من أبرز هذه المجموعات: الدروز، اليزيدية، العلوية، والمرشدية. نأمل أن تكون هذه الدراسة قد أزالت بعض الغموض وقدمت فهمًا أعمق للتنوع الذي يميز المجتمع السوري.

ندعوك الآن لاستكشاف المزيد من مقالاتنا التي تغوص في أعماق التاريخ والثقافة. اشترك في قائمتنا البريدية ليصلك كل جديد، ولا تتردد في مشاركة رأيك أو أسئلتك في التعليقات!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى