ديانة السويداء: تحليل التركيبة الدينية للمدينة

أهلاً بك في رحلة لاستكشاف النسيج الديني لمدينة السويداء السورية! إذا كنت تتساءل عن ديانة السويداء والتركيبة السكانية التي تشكل هويتها الفريدة، فقد وصلت إلى المكان الصحيح. يقدم لك هذا المقال تحليلاً شاملاً وواضحاً للأديان والمعتقدات السائدة في هذه المحافظة العريقة، من طائفة الموحدين الدروز إلى الوجود المسيحي التاريخي.


الموحدون الدروز: الديانة السائدة في السويداء

تُعرف محافظة السويداء، أو “جبل العرب” كما يسميها أهلها، بأنها المعقل الرئيسي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا والعالم. يشكل الدروز الأغلبية الساحقة من سكان المحافظة، وهم يفضلون تسمية أنفسهم بـ “الموحدين” تأكيداً على جوهر عقيدتهم القائمة على توحيد الله توحيداً مطلقاً. هذا الحضور الديموغرافي الكثيف جعل من ديانة الموحدين الدروز جزءاً لا يتجزأ من هوية السويداء الثقافية والاجتماعية، حيث تتجلى معتقداتهم وقيمهم في كافة جوانب الحياة اليومية.

علاوة على ذلك، فإن ارتباط الموحدين الدروز بأرض جبل العرب هو ارتباط تاريخي ووجداني عميق. لم تكن السويداء مجرد مكان للسكن، بل أصبحت ملاذاً آمناً وحصناً حافظوا من خلاله على خصوصيتهم الدينية والثقافية على مر القرون. لذلك، عند الحديث عن ديانة السويداء، فإننا لا نتحدث عن مجرد معتقد، بل عن تاريخ طويل من التضحيات والتكاتف الاجتماعي الذي صاغ شخصية المنطقة وأهلها، وجعل منها رمزاً للكبرياء والكرامة.

أبرز معتقدات طائفة الموحدون الدروز

تعتبر عقيدة الموحدين الدروز ديانة توحيدية وباطنية، أي أن لها ظاهراً وباطناً لا يُكشف إلا للمشايخ “العُقّال” الذين تعمقوا في دراسة الدين. يؤمن الموحدون بالله الواحد الأحد، وتُعد “رسائل الحكمة” كتابهم المقدس الأساسي الذي يضم شرحاً مفصلاً لعقيدتهم وفلسفتهم. من أبرز أركان إيمانهم هو الاعتقاد بتناسخ الأرواح أو “تقمصها”، حيث يعتقدون أن الروح تنتقل بعد الموت إلى جسد مولود جديد لتبدأ حياة أخرى، مما يلغي فكرة الجنة والنار بمعناها التقليدي.

إلى جانب ذلك، ترتكز الحياة الاجتماعية والأخلاقية لدى الموحدين الدروز على مجموعة من المبادئ السبعة التي تُعرف بالوصايا، ومن أهمها:

  • صدق اللسان: اعتبار الصدق قيمة عليا ومطلقة.
  • حفظ الإخوان: التكافل والتضامن بين أبناء الطائفة.
  • ترك عبادة العدم والبهتان: الابتعاد عن كل ما هو زائف والتمسك بالحق.
  • البراءة من إبليس والطغيان: رفض الشر والظلم بكل أشكاله.
  • التوحيد لمولانا في كل عصر وزمان: الإيمان بوحدانية الخالق المطلقة.
  • الرضا بفعل مولانا كيف ما كان: التسليم المطلق للإرادة الإلهية.
  • التسليم لأمر مولانا في السر والعلن: الطاعة الكاملة لأوامر الله.

الوجود المسيحي في محافظة السويداء

على الرغم من أن الغالبية العظمى من سكان المحافظة هم من الموحدين الدروز، إلا أن هناك وجوداً مسيحياً تاريخياً وأصيلاً لا يمكن إغفاله عند الحديث عن ديانة السويداء. يشكل المسيحيون أقلية مهمة، ويتوزعون على عدة طوائف أبرزها الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك. يعيش المسيحيون في تناغم ووئام تام مع إخوانهم الدروز، ويشاركونهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والوطنية، مما يجعل السويداء نموذجاً فريداً للعيش المشترك في المنطقة.

يمتد تاريخ الوجود المسيحي في المنطقة إلى قرون طويلة، وتعتبر بعض المدن والقرى مثل شهبا وقنوات وصلخد مراكز تاريخية للكنائس والأديرة القديمة التي تعود إلى العصور البيزنطية. هذا العمق التاريخي يظهر جلياً في الكنائس الأثرية والعاملة التي تنتشر في أرجاء المحافظة، والتي تقف شاهداً على أن المسيحية جزء أصيل من النسيج الديني والثقافي لجبل العرب، وليست مجرد وجود طارئ. ⛪

تاريخ الديانة الدرزية في جبل العرب

بدأ الوجود الدرزي في منطقة جبل العرب بالتبلور بشكل كبير خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. في تلك الفترة، بدأت هجرات جماعية لعائلات درزية من جبل لبنان ومناطق أخرى في سوريا نحو هذه المنطقة الجبلية الوعرة، بحثاً عن ملاذ آمن يوفر لهم الحماية من الاضطهاد العثماني ويتيح لهم قدراً من الاستقلال الذاتي. وقد وجدوا في طبيعة الجبل القاسية حليفاً طبيعياً ساعدهم على بناء مجتمع متماسك وقوي.

مع مرور الوقت، تحول “جبل حوران” ليُعرف باسم “جبل الدروز”، وأصبحت السويداء عاصمته الإدارية والروحية. وقد لعب الموحدون الدروز دوراً محورياً في تاريخ سوريا الحديث، وبلغ هذا الدور ذروته في قيادة الثورة السورية الكبرى عام 1925 ضد الانتداب الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش. لقد عززت هذه الثورة ارتباط الدروز بأرضهم، ورسخت مكانة جبل العرب كرمز وطني للكفاح من أجل الاستقلال والحرية. 🇸🇾


قد يهمك أيضاً:


الخلاصة 📝

في الختام، نرى أن ديانة السويداء تشكل فسيفساء غنية ومعقدة، أساسها هو عقيدة الموحدين الدروز التي صاغت هوية المكان، ويكملها وجود مسيحي عريق وتاريخ حافل بالتعايش. نأمل أن يكون هذا التحليل قد قدم لك فهماً واضحاً وعميقاً للتركيبة الدينية في هذه المنطقة المميزة من سوريا.

ندعوك الآن لمشاركة أفكارك في التعليقات أو استكشاف المزيد من المقالات على موقعنا لتغني معرفتك بثقافات وتاريخ منطقتنا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى